صراع محمد علي باشا مع قبائل و عرب الصعيد
(الهوارة
– عرب المطاعنة – الجعافرة)
كان العرب هم عماد و قوام الدولة الإسلامية منذ نشأتها بالمدينة المنورة حتى جاء
العباسيون فادخلوا العناصر الغير عربية من الفرس و غيرهم في مكونات الدولة الإدارية من أعمال الولاية و الجندية و غيرها الى ان تم
الاستغناء عن العرب في زمن المعتصم العباسي حيث اسقط العرب من ديوان الجند مما دفع
العرب الى القيام بثورات عديدة رفضا لتأمر غير العرب و قد كان صعيد مصر مسرحا لأحداث
عديدة عبر التاريخ وقد حمل القرشيون لواء هذه الثورات فكانت هناك حركات و ثورات فعلى سبيل المثال
كانت هناك حركة أبو عبد الرحمن العمري و ابن الصوفي العلوي بصعيد مصر ايام الدولة الطولونية سنة 256هـ و في سنة 651 هـ 1253م قام عرب الصعيد بثورة
كبرى ضد تولي المماليك حكم مصر بعد تولي المعز أيبك التركماني حكم مصر و كانت
الثورة بقيادة الشريف حصن الدين
ثعلب الذي قال قولته الشهيرة (
نحن أصحاب البلاد، ومنع الأجناد من تناول الخراج، وصرح هو وأصحابه بأنا أحق بالملك
من المماليك وقد كفى أنا خدمنا بني أيوب، وهم خوارج خرجوا على البلاد)، وأنف العرب
من خدمة الترك، وقالوا إنما هم عبيد للخوارج (الأيوبيين)، وكتبوا إلى الملك الناصر
صاحب دمشق يستحثونه على القدوم إلى مصر.
و اجتمع العرب حول حصن الدين ثعلب فبلغ عدد فرسانهم 12 ألف غير الرجالة و التقوا
في معركة مع جيش الممالك الذي كان اقل عددا الا انه كان جيشا نظاميا فدارت الدائرة على العرب و انهزموا و تشتت شملهم و قد كانت هذه النكبة اشد النكبات على العرب في الصعيد و مصر كلها .و بالرغم من أن هذه الواقعة كانت هي الأبرز و الأشد في تاريخ العرب في مصر و في الصعيد خاصة إلا أن حركات التمرد و الثورات لم تتوقف و قد استعمل المماليك سياسة فرق تسد ضد القبائل العربية و الغير عربية و ذلك لإضعافها و تقليص قوتها و كسر شوكتها فوقفوا مع قبائل ضد قبائل أخرى و عملوا على إذكاء الصراعات بين القبائل العربية في الصعيد كما حصل في حركة محمد بن واصل العركي زعيم قبيلة عرك الجهنية حيث وقف المماليك مع بني هلال ضد الأحدب و أيضا استعان المماليك بالهوارة في القضاء على دولة بني ربيعة بأسوان بل استعانوا بهم في قتال أبناء عمومتهم هوارة بحري كما ذكر المؤرخون فقد ذكر الجبرتي في تاريخه من وقائع سنة 1123ه انه قبل تولى والي باشا ولاية مصر و قبل وصوله قام قانصوه بك قائمقام برسم اخراج تجريدة إلى هوارة المفسدين الذين اتوا إلى مصر صحبة محمد بك الصعيدي ورجعوا صحبته واخربوا اخميم وقتلوا الكشاف وأمير التجريدة محمد بك قطامش وصحبته ألف عسكري ثم طلب الوجه القبلي إلى أن وصل إلى اسيوط فقبض على كل من وجده من طرف محمد بك الصعيدي وقتله ومنهم حسين اوده باشا ابن دقماق ثم انتقل إلى منفلوط وهربت طوائف الهوارة بأهلها إلى الجبل الغربي واتت إليه هوارة بحري صحبة الأمير حسن فاخبروه بما وقع لهم وساروا صحبته إلى جرجا فنزل بالصيوان وابرز فرمانا قرىء بحضرة الجميع باهراق دم هوارة قبلي وأمر بالركوب عليهم إلى اسنا وتسلط عليهم هوارة بحري ونهبوا مواشيهم واغنامهم ومتاعهم وطواحينهم واشتفوا منهم وكل من وجدوه منهم قتلوه ولم يزل في سيره حتى وصل قنا وقوص ثم رجع إلى جرجا(1) .
دولة محمد علي :
عندما تولى محمد علي حكم مصر علم أن حكم مصر لن يستتب له إلا بالقضاء على ثلاث عناصر هي التي مثلت التهديد الأكبر لاستقرار حكمه و هي:
1- الأزهر .
2- المماليك .
3- القبائل العربية .
و قد استطاع محمد علي السيطرة على هذه التهديدات باستخدام سياسات عدة انتهجها مع كل قسم منهم .
الطرق التي اتبعها محمد علي في ترويض قبائل عرب الصعيد :
1- قام محمد علي بتعيين ابنه إبراهيم الكبير واليا على الصعيد عام 1809 و تعامل مع الصعيد كما تعامل مع غيرها من البلاد التي ضمها إلى حكمه حيث سير حملاته العسكرية للفتك بالقبائل العربية .
2- ألغى نظام الالتزام سنة 1808 م و صادر الأراضي التي كانت بحوزة القبائل العربية و شيوخها ثم اقتطعها لأسرته و خاصته و كبار موظفيه من أكراد و شركس و أقباط و شوام حيث كانت الأراضي الزراعية التي تملكها جماعة محمد علي التي تم إقطاعها لهم تقع ضمن المناطق التي تقطنها القبائل العربية صاحبة النفوذ في السابق مثل أراضي البرنس يوسف كمال في نجع حمادي منطقة نفوذ و استقرار الهوارة و أراضي الدائرة السنية في إسنا و أسوان حيثمناطق نفوذ عرب المطاعنات و الجعافرة أما أراضي خاصته فكانت في نطاق قبائل أولاد علي في المنيا و هوارة جنوب سوهاج .
محمد علي
3- كان محمد علي سياسيا ماهرا اكتشف أن العصبية القبلية و التزام شيوخها للأرضي هي
التي كانت تدفع الصعيد للتمرد فيما مضى فعمل على إيجاد نخبة جديدة موالية له ولأسرته
من بعده فقوى نفوذ بعض الأسر (حزين ، ستيت ، عبد النور ، بطرس) و أذكى أسباب
التنافس بين القبائل فضرب هوارة بيد من حديد و تحالف مع أشراف اخميم ليستردوا
نفوذهم .4- انشأ محمد علي جيشا جديدا بدلا من الجيش المملوكي مدربا تدريبا حديثا و مطبقة فيه النظم العسكرية العصرية و قادرا على قمع حركات التمرد العشائرية و القبلية البدوية في صعيد مصر .
نتيجة هذه السياسات فقد أصاب المجتمع القبلي في الصعيد التفكك نتيجة تحول جزء منه إلى الاستقرار الزراعي بعد إصلاح الترع و المصارف و تمليك المشايخ الابعديات فيما عرف بمشايخ الحصص و توظيفهم في الجهاز الحكومي و بهذا نجح محمد علي في تجريد قبائل العرب في الصعيد مما تملكه من أسلحة و فرسان .
سياسة أسرة محمد علي مع القبائل العربية بعد إنشاء مجلس النواب و قبل ثورة 1919م:
1- النخب القبطية و الشامية :
استخدم محمد علي في التحديث الذي أجراه على مصر استلزم زيادة استخدام كوادر إدارية لتولي أعمال السجلات و الكتابة الإدارية و التجارة و كان الأقباط في مصر يحتكرون هذه الأعمال و يشاركهم فيها المسيحيون الشوام و الجاليات الأجنبية الغربية أو المشرقية كالشركس و الأكراد و الارناؤوط و ظهرت أسماء كبطرس و حكيم و عبد النور في سوهاج و عبيد نسيب العلم الجوهري كمنافس للمعلم يعقوب في قنا و وكاسرة ويصا في أسيوط و كأسرة غالي في بني سويف و التي لعب أفرادها دورا مهما في دولة محمد علي .
مصر في عهد المماليك
2- استخدام عناصر من غير الأشراف و القبائل العربية :
و هي عناصر تنتمي إلى عائلات تسكن مدن الصعيد مثل عائلة حزين في بندر إسنا و عائلة سحلي في فرشوط و الشريعي بأسيوط و هذا الأمر كان نتيجة طبيعية لإرادة سلطة محمد علي في إضعاف نفوذ القبائل العربية المتمردة على حكم محمد علي :
- حزين لمواجهة القبائل العربية المطاعنات و المحاميد في إسنا و ارمنت .
- سحلي لمناوأة قبائل الهوارة (الهمامية) .
- بجاتو لمواجهة نفوذ هوارة أولاد يحي و البلابيش في دشنا .
- ستيت في البلينا ضد هوارة البليناو وجرجا .
ضريح شيخ العرب همام بكيمان المطاعنة
أدت هذه السياسات التي اتبعها محمد علي إلى أن تتقبل القبائل العربية هذا الوضع الجديد و تحولت من حركة التمرد إلى قبول مشروعية سلطة محمد علي بعد أن ضعفت و كانت النتيجة أن استطاع محمد علي أن يجرد هذه القبائل من أسلحتهم و من نفوذهم الاقتصادي فقبلوا أن تشاركهم الأسر السابقة السلطة و النفوذ السياسي و اذكت نيران المنافسة بين القبائل و هذه الأسر بمساعدة طرف على طرف آخر .
استطاع محمد علي أن يفعل ما لم يفعله غيره و نستطيع أن نقول أن الدولة التي أرادها محمد علي ليستطيع أن يحكمها دولة خالية من أي عناصر قد تهدد حكمه و حرصه على أن يتفرد هو بالقوة العسكرية فقضى على قوة المماليك و أنهى وجودهم و سيطر على الأزهر و اخضع القبائل العربية و حركات التمرد سواء في مصر أو خارجها كالحجاز.
--------------------------------
المصادرو المراجع :
1- الكامل في التاريخ - إبن الأثير .
2- الموسعة التاريخية – الدرر السنية.
3- عجائب الاثار في التراجم و الاخبار - الجبرتي
4- تطور النخبة البرلمانية في الصعيد –أحمد عبد الرازق.
جميل عرفات بك
ردحذفتسلم حبيبي الغالي
حذفساعدتك لم تكمل كيف لمحمد على وأسرته من الضغط على هوارة الحميدات ودشنا وقبائل حجازة بجلب نفر من مكه وقبيلته ووضعه بقنا ؟؟؟ كما ذكر ببحث احمد عبدالرازق ومعروض بكتاب هموم مصر وأزمة العقول الشابة ... لعل المانع خيرا!!!!!وذلك من باب الأمانة العلمية
ردحذفعدم ذكري لذلك ليس عمدا و انما الغرض من المقال عرض طبيعة العلاقة بين محمد علي و قبائل و عرب الصعيد و من ذكرتهم فهم نماذج و لا شك ان هناك قبائل اخرى كريمة تعرضت لمثل ما تعرضت له هذه النماذج .
حذفو اشكرك على تعقيبك القيم
جميل والله
ردحذفتسلم بارك الله فيك
حذف