بسم
الله الرحمن الرحيم
نقد و نقض منطق أرسطو
على أيدي علماء المسلمين
هل أدّت انتقاداتُ العلماء المسلمين للمنطق الأرسطي إلى تطوره ؟
-مقدمة:
- المنطق وجهود علماء الإسلام:
يعرف الجرجاني علم المنطق في "التعريفات " على انه : هو آلةٌ قانونيةٌ تعصم مُراعاتُها الذهنَ مِن الخطأ في الفكر؛ فهو علمٌ عمليٌّ آليٌّ موجودٌ في العقل بالغريزة، وموضوعُه: المعلوماتُ التصوُّرية والتصديقية" وغايتُه: الإصابةُ في الفكرِ وحِفْظُ الرأيِ عن الخطأ في النظر؛ وذلك بتَقابُلِ الفكرِ مع نَفْسه وتجريدِه مِن التناقض؛ لذلك سُمِّيَ منطقُ "أرسطو" ﺑ "المنطق الصوريِّ" لعنايته بصورةِ الفكر دون مادَّته ومعناه، كما سُمِّيَ "أرسطو"ﺑ "المعلِّم الأوَّل"، حيث قام ـ في زَعْمِهم ـ بصياغةِ هذه الصناعةِ الآلية: فقعَّد له، وحدَّد مُصْطَلَحاتِه، وهذَّب مَباحِثَه، ورتَّب مَسائلَه وفصولَه، وجَعَلَه أوَّلَ العلومِ الحِكَمية وفاتحتَها؛ فنُسِب إليه المنطقُ نسبةَ صياغةٍ وإظهارٍ لا ابتداءٍ واختراعٍ .فالفارابي في كتابه "الأوسط الكبير "سمى علم المنطق بـ (عيار العقل) و عبر عنه ابن سينا في "منطق المشرقيين" (بالعلم الآلي) و سماه الغزالي بـ"معيار العلم" و سماه السهروردي باسم "القسطاس-الميزان- الإدراكي" و سماه آخرون "فن التفكير و علم قوانين الاستدلال" و غير ذلك.و هذا العلم أسسه أرسطو كما هو معلوم و ورد إلى العالم الإسلامي حيث قام بعضهم في الشرح و التفسير و آخرون بالتعبير و التكميل و بعضهم بالرد و التخريب و أما هذا البعض الذي يظن أن علماء المسلمين خضعوا للمنطق اليوناني خضوعا مطلقا ظنا منهم أن المنطق اليوناني قد وصل الى قمة الكمال فهذا يدل على الجهل التام أمثال ت.ج.دي بور حيث يقول في كتابه "تاريخ الفلسفة في الإسلام"-ترجمة عباس شوقي ص31- "ان المفكرين المسلمين الأوائل كانوا يؤمنون بسمو العلم اليوناني بحيث لم يكن لديهم اي شك بان ذلك العلم وصل الى قمة العلوم و اعلى درجات اليقين" .و نرد عليه بان مناظرة (ابو سعيد السيرافي) النحوي مع (يونس ابن متى القنائي) و التي ذكرها ابو حيان في" الإمتاع و المؤانسة "اكبر شاهد على ذلك عدم التسليم المطلق للمنطق .يعتبر ابن سينا من اكبر شارحي منطق أرسطو و حكمة المشائين يقول حسبما ذكر صدر الدين الشيرازي في الأسفار الأربعة ج1 ص364 (من تعود ان يصدق من غير دليل فقد انسلخ من الفطرة الإسلامية)
و في كتابه "الحكمة المشرقية" هاجم في مقدمة الكتاب أتباع أرسطو و المدافعين عن الفلسفة المشائية بعد أن كان ابن سينا يترسم الفلسفة اليونانية طوال سنوات عدة و هذا السهروردي الذي يعتبر ممثلا لفلسفة الإشراق و الحكمة الأفلاطونية و هو من أصحاب الرأي في المنطق و له مصنفات و مؤلفات يهاجم في كتابه "حكمة الإشراق " التقليد و الجمود على أفكار فئة خاصة و يقول ( فليس العلم وقفا على قوم ليغلق بعدهم باب الملكوت .. وشر القرون ما طوي فيها بساط الاجتهاد و انقطع فيه سير الأفكار و انحسم باب المكاشفات و انسد طريق المشاهدات ) و في كتابه "التلويحات اللوحية و العرشية" (و لا تقلدني و غيري فالمعيار هو البرهان ).
و هذا هو الإمام فخر الدين الرازي من كبار المتكلمين في الإسلام و شرحه على منطق الإشارات دليل على تبحره في فن المنطق وفيه يذم حكماء السلف بشدة فيقول في كتابه " المباحث المشرقية" (إن الذين يجزمون بوجوب موافقة الأولين في كل قليل و كثير و يحرمون مفارقتهم في النقير و القطمير يعلمون أن أولئك المتقدمين كانوا في بعض المواضع لمتقدميهم مخالفين و على كلامهم معترضين و عن مقالتهم معرضين و بذلك مصرحين ، فإذا كان ذلك مردودا على غير مقبول فقد صار المتقدم مقدوحا فيه لمخالفته متقدميه و اعتراضه على كلام معلميه .. وكما عرفت تناقضات مقالات هذه الفرقة فاعرف أيضا فساد طريقة قوم نصبوا أنفسهم للاعتراض على رؤساء العلماء و عظماء الحكماء بكل غث وسمين و باطل و هجين).
إن علماء الإسلام كانوا متأثرين بتعاليم الإسلام التي تدعوهم إلى تتبع الحكمة وأيضا أمر الله تعالى لهم بان لا يسيرون وراء التقليد دون دليل أو أن يطيعوا أقوال المشاهير و العظماء بلا بينة حتى لا يقعوا في شباك الضلالة قال تعالى (ربنا إنا اطعنا سادتنا و كبرائنا فأضلونا السبيلا) سورة الأحزاب .
هذا دفع علمائنا الأجلاء إلى عدم التسليم لعلم المنطق بل قاموا بالتصحيح و التكميل أو بالنقد و الرد على قسم من المنطق اليوناني أما المدافعين عن المنطق اليوناني و الذين ادعوا أن الإسكندر الأكبر هو ذو القرنين الذي ورد في القران الكريم في سورة الكهف و أرسطو كان معلما للإسكندر و بالرغم من هذه الشهرة فان علماء المسلمين الناقدين للمنطق نفوا هذه النسبة و كذبوا هذا الادعاء يقول الإمام ابن تيمية (فيتعلمون بالكذب في المنقولات و بالجهل في المعقولات كقولهم : أن أرسطو وزير ذي القرنين المذكور في القران ) ثم يفند هذا الرأي في كتابه الرد على المنطقيين.
.... يتبع ان شاء الله .
-------------------
كتبه / عرفات البكري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق