الجهمية
ولقد كان هؤلاء الجهمية العقبة الكؤود في طريق العقيدة السلفية النقية وانتشارها؛ حيث صرفوا علماء السلف عن نشرها بما وضعوا أمامهم من عراقيل شغلتهم وأخذت الحيز الأكبر من أوقاتهم في رد شبهات الجهمية ومجادلاتهم لهم وخصامهم معهم، وكانت العاقبة الحسنة - ولا تزال - لأهل السنة والجماعة ولله الحمد.
والجهمية ينسبون إلى جهم بن صفوان الترمذي وكان عالما فقيها، ينسب إلى الحنفية في الفقه، ولكنه لشدة اعتنائه بالرأي كان يناظر ويكثر من المناظرة حتى ناظر طائفة من دهرية الهند، الدهرية بضم الدال ينسبون إلى القول بالدهر وما يهلكنا إلا الدهر [الجاثية:28]، ينسب إلى الدهر، دهري بضم الدال على غير اعتياد كما قاله المرتضى في كتاب (تاج العروس) وقاله غيره.
وهؤلاء الدهرية الذين ناظرهم الجهم يقال لهم الدهرية السمنية (3) و قد ناظرهم في الصفات لأنهم لا يؤمنون بوجود الله أصلا ويريد أن يقنعهم بوجود الله، فجرى منه معهم مناظرة ذكرتها لكم في مكان آخر، فآل به الأمر، نتيجة المناظرة وتوابعها وما حصل -وقد ذكر أصل القصة البخاري في خلق أفعال العباد-، نتج عن ذلك أنه نفى الصفات وعطل الرب - عز وجل - من صفاته وآمن بالوجود المطلق.
نشأة الجهمية
------------
قامت أفكار الجهم بن صفوان على البدع الكلامية والآراء المخالفة لحقيقة العقيدة السلفية متأثراً بشتى الاتجاهات الفكرية الباطلة.
وكانت نقطة الانتشار لهذه الطائفة بلدة ترمذ التي ينتسب إليها الجهم، ومنها انتشرت في بقية خراسان، ثم تطورت فيما بعد وانتشرت بين العامة والخاصة، ووجد لها رجال يدافعون عنها، وظهرت لها مؤلفات وتغلغلت إلى عقول كثير من الناس على مختلف الطبقات. وقد ذكر شيخ الإسلام درجات الجهمية ومدى تأثر الناس بهم، وقسمهم إلى ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: وهم الجهمية الغالية النافون لأسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من الأسماء الحسنى قالوا: هو مجاز.
الدرجة الثانية من الجهمية: وهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله الحسنى في الجملة لكن ينفون صفاته.
الدرجة الثالثة: وهم قسم من الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية، ولكن فيهم نوع من التجهم، وهم الذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة ولكنهم يريدون طائفة من الأسماء، والصفات الخبرية وغير الخبرية ويؤولونها.
ومنهم من يقر بصفاته الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث كما عليه كثير من أهل الكلام والفقه، وطائفة من أهل الحديث. ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار أيضاً في الجملة، لكن مع نفي وتعطيل لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتبعه.
ذكر أهم عقائد الجهمية:
---------------------
للجهمية آراء وعقائد كثيرة، ومن أهم تلك الآراء للجهم ما يلي:
1 - مذهبهم في التوحيد: هو إنكار جميع الأسماء والصفات لله عز وجل ويجعلون أسماء الله من باب المجاز.
لقد أقدم الجهمية على نفي الأسماء والصفات بمزاعم من أهمها:
ا- أن إثبات الصفات يقتضي أن يكون الله جسماً؛ لأن الصفات لا تقوم إلا بالأجسام، لأنها أعراض والأعراض لا تقوم بنفسها.
ب - إرادة تنزيه الله تعالى.
ج - أن وصف الله تعالى بتلك الصفات التي ذكرت في كتابه الكريم أو في سنة نبيه العظيم يقتضي مشابهة الله بخلقه، فينبغي نفي كل صفة نسبت إلى الله تعالى وتوجد كذلك في المخلوقات لئلا يؤدي إلى تشبيه الله - بزعمهم - بمخلوقاته التي تحمل اسم تلك الصفات.
2-القول بالجبر
الجبر- بفتح الجيم وسكون الباء- فمعناه إسناد ما يفعله الشخص من أعمال إلى الله عز وجل، وأن العبد لا قدرة له البتة على الفعل، وإنما هو مجبور على فعله، وحركته في الفعل بمثابة حركة النباتات والجمادات، ومن هنا فإنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة؛ لأن العبد مجبور على فعله لا حول له ولا قوة.
3 - إنكار كثير من أمور اليوم الآخر مثل: الصراط، الميزان، رؤية الله تعالى، عذاب القبر، القول بفناء الجنة والنار.
قول نفاة الجهمية أنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة.
4 - ومنها نفي أن يكون الله متكلماً بكلام يليق بجلاله
5 - وأن الإيمان هو المعرفة بالله.
فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان بالله هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط وأن ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم لهما والخوف منهما والعمل بالجوارح فليس بإيمان وزعموا أن الكفر بالله هو الجهل به وهذا قول يحكى عن جهم بن صفوان وزعمت الجهمية أن الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنه لا يكفر بجحده وأن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل أهله فيه وأن الإيمان والكفر لا يكونان إلا في القلب دون غيره من الجوارح
6 - نفي أن يكون الله تعالى في جهة العلو.
قال جرير بن عبد الحميد: كلام الجهمية أوله شهد وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله. رواه ابن أبي حاتم ورواه هو وغيره بأسانيد ثابتة عن عبد الرحمن بن مهدي قال: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى بن عمران، وأن يكون على العرش، أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم.
وقال يزيد بن هارون: من زعم أن الله على العرش استوى بخلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي.
وقال سعيد بن عامر الضبعي - وذكر عنده الجهمية فقال - هم شر قول من اليهود والنصارى، قد أجمع أهل الأديان مع المسلمين أن الله على العرش وقالوا هم: ليس عليه شيء.
و لم تنتهي مقالات الجهمية فمازلت مقالتهم تنضح بها عقائد بعض الفرق الاسلامية التي تلقفتها منهم الى يومنا هذا .
--------------------------------
المراجع :
- موسعة الفرق النتسبة للاسلام - الدرر السنية
(1) الجهم بن صفوان : هو أبو محرز، الجهم بن صفوان الترمذي، من موالي بني راسب ويعود اصله إلى مدينة في ترمذ والتي تقع حاليا في اوزباكستان على الحدود الأفغانية (احدى قبائل الأذر)، ولد ونشأ في الكوفة. كان حاد الذكاء قوي الحجة ذا دأب ووفطنة وفكر وجدال ومراء، صحب الجعد بن درهم بعد قدومه إلى الكوفة وتأثر بتعاليمه، وبعد مقتل الجعد عام 105 هـ حمل لواء (المعطلة) من بعده إلى أن نفي إلى ترمذ في خراسان.
(2) ترمـذ : مدينة مشهورة في جنوب اوزبكستان من امهات المدن تقع على الضفة الشرقية لنهر جيحون .
(3)السمنية : فرقة بالهند دهرية تقول بالتناسخ و تنكر وقوع العلم بالاخبار زاعمين انه لا طريق للعلم سوى الحس ، قيل : هي نسبة الى سومنات : بلدة بالهند .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق